اعلموا عباد الله أن اللوم كالطيور القريبة من أعشاشها سرعان ما تعود إلى أعشاشها، وأنت مهما لمت مذنبا عاد باللوم والتثريب عليك، وحمل الملامة عليك، واستنصل هو من موجبات اللوم استنصالا كأنه في براءة تامة، وهو أحمق في حقيقة الأمر، كالرجل القاص الذي جلس يقص فقال: إن الذئب الذي أكل ابن يعقوب كان اسمه كذا، فقال قائل من عرض المجلس: ولكن الذئب لم يأكل يوسف. قال: أوه قد نسيت، هذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
فمهما حملت باللوم على غيرك عاد اللوم إليك. والمغالاة في معالجة انحراف تولِّد انحرافا آخر لا محالة، وهذه قاعدة مستقرة حكمةً وحكما، المغالاة في معالجة انحراف تولِّد انحرافا آخر. إن التمكين في الأرض والاستعلاء بالإيمان فيها، وإن الولاية عليها لها أسبابها التي لا تُتَحصل إلا بها، ولا يُنتهى إلى غايتها إلا بسلوك سبيلها بالإيمان والعمل الصالح، ومهما حاول المرء أن يسلك سوى هذه السبيل فإنه خَبِطٌ خَبْطَ العمياء في ليل داج، وإنه لآخذ كحاطب الليل بما يلقاه، وربما أخذ ما آذاه، فيأخذ حية يحسبها حَطَبَةً وقد أعمى الله -تبارك وتعالى- نور بصيرته. فلتُسلك إلى الغايات الصحيحة الوسائل الصحيحة المشروعة، فإنه لا يُتوصل إليها إلا بذلك. وليُنظر فيما عليها حال الأمة من كل ناحية، فإن كثير من الناس ينظرون النظرة الأولى، والنظرة الأولى حمقاء، النظرة الأولى حمقاء، فعلى الإنسان أن ينظر مليًّا وأن يمعن التأمل فيما هو ناظر إليه. {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [الأعراف : 198]. ففرَّق بين النظر والبصر، فكثير من الناس تراه ناظرا غير مبصر. فينبغي على الإنسان ألا يكون أحمق النظرة، وينبغي عليه ألا يكون أُحادي النظرة، لأنه إذا كانت النظرة الأولى الحمقاء شرا فلا شك أن النظرة الأُحادية شر منها، تماما كالذي يركز على الحية؛ من تركيزه على الحية لا يلتفت إلى العقرب التي تدبُّ إليه. فهو من شدة تركيزه بنظرة أُحادية على ما يؤذيه لم يلتفت إلى ما يتحقق منه الأذى والضر. فينبغي على المرء أن لا يكون أُحادي النظرة وأن لا يستعجل، فإن الشيطان يفتح للعبد وإن كان صالحا سبعين بابا من أبواب الخير ليتلُفَ منها إلى باب من أبواب الشر. إن الشيطان لا يأتي المرء قصدا، وإذا أتى قصدا فصده العبد احتال عليه، وربما أتاه من باب خير يفضي إلى شر، وكم من مريد وطالب للخير لن يدركه، فينبغي علينا أن نحكم النظر في هذا الواقع الذي نعيش فيه في بلدنا هذا وهو بلد إسلامي، فينبغي علينا أن نحافظ على مكاسب الإسلام فيه. ولنعلم أننا لن نفيد شيئا ولن نتحصل على شيء، بلى سنتحصل ولكن على ملء قبضة من ذباب إذا تعجلنا الأمور فإن الأعداء قد كفَوْا أنفسهم بنا مؤونة غزونا والعدوان علينا، وتخالفت الوُجهات وتضاربت السُّبل وصار بأسنا بيننا كما أخبر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم. والمتربصون بإسلام هذا البلد وإسلاميَّته كثيرون جدا يريدون أن يتغير وجهه وأن لا يعود إسلاميا كما هو، نسأل الله أن يحفظ الإسلام عليه وأن يحفظه بالإسلام وجميع بلاد المسلمين وبلدانهم إنه على كل شيء قدير. فينبغي علينا أن لا نتعجل، وأنت لن تُفيد شيئا إذا دخلت تجارة ربحت فيها درهمين وخسرت فيها رأس المال، فأي فائدة هذه، بل إنك لن تفيد شيئا إذا دخلت تجارة تربح منها درهمين وتخسر فيها مائتين. كل عاقل يكفُّ يده عن صفقة كهذه ويقبض نفسه عن التطلع إلى مثلها، ويأخذ بالوسائل المشروعة التي ذكرها ربنا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ولنعلم أنه مهما أصابنا من شيء فبما قدمت أيدينا ويعفو ربنا عن كثير وكثير، وقد أخبرنا البشير النذير أنه لن يأتي على الناس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه حتى نلقاه صلى الله عليه وآله وسلم على الحوض، وهذا من العام المخصوص فإنه بين يدي نزول المسيح عيسى بن مريم خلافة راشدة كما استظهر المحققون من العلماء بالخلافة على منهاج النبوة ثم سكت صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا فينبغي علينا عباد الله أن نجتهد في الأخذ بالأسباب الشرعية، وأن نعلم أنه ما يأتي على الناس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه، وعلينا أن نحمل على أنفسنا بالملامة أولا فإن السلف كانوا كذلك. لما فتحت قبرص جلس واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ناحية يبكي، فقيل له أتبكي في يوم أعز الله -تبارك وتعالى- فيه المسلمين ونصر الإسلام فقال له: يا جبير بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك إذ تركوا أمر الله فصيَّرهم الله إلى ما ترى اعتُدِيَ على الأعراض وانتُهكت، وشُردت الحرائر كل مشرد، وأُريقت الدماء أنهارا، وقُطعت السبل، ونُهبت الدور، وسُلبت الأموال، ولم يُرفع الآذان، ولم يُعبد ربنا -تبارك وتعالى- فأي شيء يكون؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شرُّ منه حتى تلقوني على الحوض".
وإذا فينبغي علينا عباد الله أن نجتهد في الأخذ بالأسباب الشرعية، وأن نعلم أنه ما يأتي على الناس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه، وعلينا أن نحمل على أنفسنا بالملامة أولا فإن السلف كانوا كذلك. لما فتحت قبرص جلس واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ناحية يبكي، فقيل له أتبكي في يوم أعز الله -تبارك وتعالى- فيه المسلمين ونصر الإسلام فقال له: يا جبير بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك إذ تركوا أمر الله فصيَّرهم الله إلى ما ترى اعتُدِيَ على الأعراض وانتُهكت، وشُردت الحرائر كل مشرد، وأُريقت الدماء أنهارا، وقُطعت السبل، ونُهبت الدور، وسُلبت الأموال، ولم يُرفع الآذان، ولم يُعبد ربنا -تبارك وتعالى- فأي شيء يكون؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شرُّ منه حتى تلقوني على الحوض".
قال قائل ولكن كان الحجاج وما لقيت بنو أمية ربها في صحائف السيئات بمثله، كان الحجاج وكان ظلوما جهولا، ثم جاء بعده عمر بن عبد العزيز فكيف يُوجَّه الحديث؟ قال الحسن -رحمه الله-: "لابد للناس أن يتنفسوا فيجعل الله رب العالمين لهم متنفسا". استعينوا بالله واصبروا فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. استعينوا بالله واصبروا، كما قال الإمام أحمد للفقهاء لما آمروه فيما آمروه بشأن الواثق، وكان يحمل الناس على الكفر وإن كان جاهلا، فيقررون عقيدة الجهمية بخلق القرآن ونفي الصفات عن رب الأرض والسموات، وتعطيله عن كمالاته سبحانه سبحانه. فآمروه فيما آمروه من شأنه فاخذ يخفِّض من ثائرتهم ويسكِّن من ثورتهم: اصبروا ألم تروا ما كان من الفتنة. قالوا: وأي شيء أكبر من الفتنة التي نحن فيها. لا تكونُن عائشين بمنطق الذباب؛ إذا رأى العسل قال من يوصِّلني إليه وله درهمان، فإذا وصل إليه فوقع فيه فلم يستطع منه مخرجا قال من يخرجني وله أربعا. لقد كنت بمنجى قبلُ من الوقوع في ذلك وعافية. قال: لا إنما أعني الفتنة العامة؛ قُطعت السبل، ونُهبت الدور وأُهريقت الدماء، وهذا يؤثر على الدعوة والدين، على الإسلام العظيم، ولن يخسر إلا المسلمون، سيستفيد الشيوعيون والوجوديون والعلمانيون وغيرهم من أهل الملل الباطلة والنحل الفاسدة ولن يخسر إلا المسلمون، فليتقي الله مسلم أعطاه الله عقلا وليتأمل في هذا وليأخذ بقول الإمام أحمد: اصبروا حتى يستريح برٌّ أو يُستراح من فاجر. والله المستعان وعيه التكلان وإليه المصير وإليه تعود الأمور وهو على كل شيء قدير.
اللهم سلم وطننا وجميع أوطان المسلمين يا رب العالمين ويا أكرم الأكرمين ويا ذا القوة المتين، سلم وطننا وجميع أوطان المسلمين من كل سوء، واحفظ على هذا الوطن وعلى جميع أوطان المسلمين مِنَّتك بالإسلام العظيم، واتباع النبي الكريم يا رب العالمين ويا أكرم الأكرمين ويا ذا القوة المتين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصدر من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق