الجمعة، ٤ فبراير ٢٠١١

شروط التكفير وموانعه

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله- : " وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق ؛ أن ينظر في أمرين ؛
أحدهما : دلالة الكتاب والسنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق
الثاني : انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه وتنتفي الموانع " . "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ " (3/343) .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله - : " لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته ، ولا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ، لأن القرآن نزل بها ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها فيما روى عنه العدول ؛ فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر ، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل ، لأن علم ذلك لا يقدر بالعقل ، ولا بالرؤية والقلب والفكر ، ولا نكفر بالجهل أحداً إلا بعد انتهاء الخبر إليه " . انتهى
عزاه الحافظ ابن حجر قي الفتح ( 13 / 407 ) ، وابن جماعة في إيضاح الدليل ؛ ل "مناقب الشافعي " لابن أبي حاتم ، وسنده صحيح .
وقال ابن العربي المالكي رحمه الله - : " فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً وكافراً ؛ فإنه يعذر بالجهل والخطأ ، حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله " . ذكره القاسمي في " محاسن التأويل " ( 5 / 1307 ) .
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله - : " فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين؛
أحدهما : أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول ، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق ، فنفي الصفات كفر ، والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة ، أو أنه على العرش ، أو أن القرآن كلامه، أو أنه كلم موسى ، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث .
والأصل الثاني : أن التكفير العام ـ كالوعيد العام ـ يجب القول بإطلاقه وعمومه .
وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين؛ فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه " ." مجموع الفتاوى " ( 12/497-498 ) .
وقال رحمه الله - : " فإن نصوص " الوعيد " التي في الكتاب والسنة ، ونصوص الأئمة بالتكفير و التفسيق ونحو ذلك ؛ لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين ؛ إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع . هذا في عذاب الآخرة فإن المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار أو غير خالد ، وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق يدخل في هذه " القاعدة " سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال .
فأما أحكام الدنيا فكذلك أيضا ؛ فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقا بدعوتهم ؛ إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة " ( 10/372) من مجموع الفتاوى .
وانظر مجموع الفتاوى ( 3/354 ، 7/619 ، 12/487 488 ، 497 498 ، 523 524 ، 23/345 ، 28/500 501 ، 35/165 ) .
موانع التكفير :
1-
عدم التكليف :
غير المكلف ؛ كالصبي والمجنون إذا وقع في الكفر ، لا يقع عليه الكفر ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المبتلى حتى يبرأ ، وعن الصغير حتى يكبر" وفي رواية : " وعن المجنون حتى يعقل " أخرجه أحمد ( 6/116) ، وأبو داود (4398) ، والنسائي ( 3432) ، وابن ماجه (2042) ، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما ، وهو صحيح انظر تخريجه في " البدر المنير " (3/225) .
قال ابن المنذر رحمه الله - : " وأجمعوا أن المجنون إذا ارتد في حال جنونه أنه مسلم على ما كان قبل ذلك " " الإجماع " ( ص 128 ، دار المسلم ) .
وقال ابن قدامة في " المغني " (10/73) : " إن الردة لا تصح إلا من عاقل فأما من لا عقل له كالطفل الذي لا عقل له والمجنون ، ومن زال عقله بإغماء أو نوم أو مرض أو شرب دواء يباح شربه ؛ فلا تصح ردته ولا حكم بكلامه بغير خلاف ... ثم نقل كلام ابن المنذر في " الإجماع " .
وقال رحمه الله (10/100) : " ولا تصح ردة المجنون ولا إسلامه لأنه لا قول له ... " .
وقال النووي في " روضة الطالبين " ( 10/71) : " فلا تصح ردة صبي ولا مجنون ، ومن ارتد ثم جن فلا يقتل في جنونه " .
وبهذا يتبين أن التكليف شرط في تكفير المعين ، وعدمه مانع منه .
2. 3. 4. الجهل والخطأ والنسيان :
تقدم قول الإمام الشافعي رحمه الله - : " ... فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر ، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل ؛ لأن علم ذلك لا يقدر بالعقل ، ولا بالرؤية والقلب والفكر ، ولا نكفر بالجهل أحداً إلا بعد انتهاء الخبر إليه " .
وكذلك تقدم قول ابن العربي : " فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً ؛ فإنه يعذر بالجهل والخطأ ، حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله " .
وقال الإمام ابن تيمية
رحمه الله - :
" والأصل الثاني : أن المقالة تكون كفراً ؛ كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم ، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وكذا لا يكفر به جاحده ؛ كمن هو حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام ، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول ... " " مجموع الفتاوى " ( 3/354) .
وقال
رحمه الله- : فإذا رأيت إماما قد غلظ على قائل مقالته أو كفره فيها فلا يعتبر هذا حكما عاما في كل من قالها إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه والتكفير له ؛ فإن من جحد شيئا من الشرائع الظاهرة وكان حديث العهد بالإسلام أو ناشئا ببلد جهل لا يكفر حتى تبلغه الحجة النبوية . وكذلك العكس إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت ؛ لعدم بلوغ الحجة له ؛ فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم ؛ فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع . " مجموع الفتاوى " (3/354) .
وانظر " مجموع الفتاوى" ( 3/230 ، 354 ، 7/617 ، 11/407 ، 12/180 ،20/33 ،33/135 ، 35/165 ، 37/23 ) .
وقال ابن عثيمين
رحمه الله - في تتمة كلامه الذي تقدم عنه : " ومن أهم الشروط أي : شروط تكفير المعين أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له " ." مجموع الفتاوى والرسائل " ( 3/343)
وقال : " ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق ؛ لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله - تعالى -: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} . ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله -تعالى-: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} .
قال في المغني ( 8/131 ): "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك -يعني يكون كافراً - وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين ، وأموالهم ، وفعلهم ذلك متقربين به إلى الله - تعالى - إلى أن قال-: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم ، وأموالهم ، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم ، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم ، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا" .
وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية( 13/30 ) مجموع ابن القاسم: "وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن ، لم يقصدوا معارضته ، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه ، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب" .
وفي (ص 210 ) منه : "فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم . . وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم ، ولا اتباع للسنة ، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن".
وقال أيضاً (28/518 ) من المجموع المذكور: "فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم ، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين" . لكنه ذكر في 7/217 "أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره ، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع" .
وفي (28/518) : "أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره" .
وفي (3/282 ) قال: "والخوارج المارقون الذين أمر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين ، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم ، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهما من الصحابة ، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام ،وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم ، لا لأنهم كفار . ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم ، وإذا كان هؤلاء الذي ثبت ضلالهم بالنص ، والإجماع ، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم ، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى ، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة ، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه" . إلى أن قال:"وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك" . إلى أن قال في ص 288 : "وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره . . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله -تعالى -: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} . وقوله : {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}. وفي الصحيحين عن النبي، صلى الله عليه وسلم : "ما أحد أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين".
والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً ، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً ، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة ، والاعتبار ، وأقوال أهل العلم " .(2/136 -138).
وانظر " مجموع الفتاوى والرسائل للشيخ ابن عثيمين ( 2/124 – 140، 3/ 342 ، 7/42 ، 10/744 ) .
تنبيه :
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
الجاهل بما يترتب على المخالفة غير معذور إذا كان عالمًا بأن فعله مخالف للشرع كما تقدم دليله ، وبناء على ذلك فإن تارك الصلاة لا يخفى عليه أنه واقع في المخالفة إذا كان ناشئًا بين المسلمين فيكون كافرًا وإن جهل أن الترك كفر .
نعم إذا كان ناشئًا في بلاد لا يرون كفر تارك الصلاة وكان هذا الرأي هو الرأي المشهور السائد بينهم ، فإنه لا يكفر لتقليده لأهل العلم في بلده ، كما لا يأثم بفعل محرم يرى علماء بلده أنه غير محرم ؛ لأن فرض العامي التقليد لقوله - تعالى - : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } . والله الموفق. " مجموع الفتاوى والرسائل " ( 2/ 138) .
وقال : الإمام ابن تيمية : وهؤلاء الصنف الذين كفروا بعد إسلامهم غير الذين كفروا بعد إيمانهم فإن هؤلاء حلفوا بالله ما قالوا ، وقد قالوا كلمة الكفر التي كفروا بها بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وهو يدل على أنهم سعوا في ذلك ، فلم يصلوا إلى مقصودهم ؛ فإنه لم يقل : هموا بما لم يفعلوا لكن { بما لم ينالوا } فصدر منهم قول وفعل قال تعالى : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } فاعترفوا واعتذروا ؛ ولهذا قيل : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين } فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا ، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر ، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه ، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ، ولكن لم يظنوه كفرا ، وكان كفرا كفروا به ؛ فإنهم لم يعتقدوا جوازه ... " . " مجموع الفتاوى " ( 7/ 273 ) .
5 - عدم إرادة الفعل :
قال ابن عثيمين رحمه الله - : " ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه ، ولذلك صور منها: أن يكره على ذلك فيفعله لداعي الإكراه لا اطمئناناً به، فلا يكفر حينئذ، لقوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم }.
ومنها أن يغلق عليه فكره، فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك ؛ ودليله ما ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -قال، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حتى يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح". " مجموع لفتاوى والرسائل " (3/343) .
وقال : " ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده ، بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو غضب أو خوف أو نحو ذلك ،لقوله تعالى -: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً} وفي صحيح مسلم (2104 ) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه - : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ،فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" . " مجموع الفتاوى والرسائل " (7/43) .
وقال ابن القيم
رحمه الله في " إعلام الموقعين " (3/ 63 – 64) : " والله سبحانه وتعالى رفع المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مكرهاً لمّا لم يقصد معناها ولا نواها ؛ فكذلك المتكلم بالطلاق والعتاق والوقف واليمين والنذر مكرها لا يلزمه شيء من ذلك ؛ لعدم نيته وقصده ، وقد أتى باللفظ الصريح ؛ فعلم أن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به ، والله تعالى رفع المؤاخذة عمن حدث نفسه بأمر بغير تلفظ أو عمل ، كما رفعها عمن تلفظ باللفظ من غير قصد لمعناه ولا إرادة ، ولهذا لا يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقا من غير قصد لفرح أو دهش وغير ذلك ، كما في حديث الفرح الإلهي بتوبة العبد ، وضرب مثل ذلك بمن فقد راحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة ، فأيس منها ثم وجدها فقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح " ، ولم يؤاخذ بذلك .... " . انتهى
وقال عند كلامه عن اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ (3/75 - 76) : " وكذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر ... " إلى أن قال : " وقد تقدم أن الذي قال لما وجد راحلته " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر ؛ لكونه لم يرده ، والمكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته بخلاف المستهزئ والهازل ؛ فإنه يلزمه الطلاق والكفر وإن كان هازلا ؛ لأنه قاصد للتكلم باللفظ وهزله لا يكون عذرا له بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله ، أو مأذون له فيه ، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود ؛ فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل .
والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا بل صاحبه أحق بالعقوبة ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولم يعذر الهازل بل قال { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } وكذلك رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي . انتهى . وانظر " مدارج السالكين " (1/209) .
6 - الإكراه :
قال الإمام البغوي
رحمه الله في تفسيره ( 5/ 46 ) : " وأجمع العلماء على أن من أكره على كلمة الكفر ؛ يجوز له أن يقول بلسانه ؛ وإذا قال بلسانه غير معتقد لا يكون كفراً ، وإن أبى أن يقول حتى قتل كان أفضل " .
وقال القرطبي
رحمه الله في تفسيره ( 10/ 182 ) : " أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر ، هذا قول مالك والكوفيين والشافعي، غير محمد بن الحسن فإنه قال: إذا أظهر الشرك كان مرتدا في الظاهر، وفيما بينه وبين الله تعالى على الإسلام، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلما.
وهذا قول يرده الكتاب والسنة، قال الله تعالى: " إلا من أكره " الآية.
وقال: " إلا أن تتقوا منهم تقاة " ، وقال: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض " الآية.
وقال:{ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } الآية.
فعذر الله المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر الله به، والمكره لا يكون إلا مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به، قاله البخاري . انتهى
وقال الإمام الشافعي
رحمه الله في " الأم " ( 6/ 175 ) : " ولو أن رجلاً أسره العدو فأكرهه على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد ؛ قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الكفر فقاله ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما عذب به ؛ فنزل فيه هذا ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد " . انتهى
وقال ابن عثيمين
رحمه الله - : " ومن الموانع أن يكره على الكفر لقوله تعالى { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليه غضب من الله ولهم عذاب عظيم } . والله أعلم 

المصدر من هنا

حكم الخروج على الحكام الذين يقترفون المعاصي والكبائر

سماحة الشيخ: هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟ 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[1]، فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف. والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة)) ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ((أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم)) قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: ((إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان))، فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً، وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة. والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير. هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

المصدر من هنا

نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه أسئلة مهمة وأجوبتها رأيت تقديمها لإخواني المسلمين للاستفادة منها، وأسأل الله أن ينفع بها عباده، وأن يتقبل منا جهدنا، وأن يضاعف لنا الأجر وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح أحوال المسلمين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
س 1: سماحة الشيخ: هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم ؟
ج 1: بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد
: فقد قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم: الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد: طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة ولقوله صلى الله عليه وسلم: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية وقال صلى الله عليه وسلم: على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة وسأله الصحابة رضي الله عنهم- لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون- قالوا: فما تأمرنا؟ قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وقال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولا الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما، يختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج، رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ) أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا. يستحق الاغتيال... إلي غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تحفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك ؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. 

المصدر من هنا

التفصيل في الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله


سماحة الشيخ – لو سمحت – الحكام الذين لا يطبقون شرع الله في بلاد الله هل هؤلاء كفار على الإطلاق مع أنهم يعلمون بذلك وهل هؤلاء لا يجوز الخروج عليهم وهل موالاتهم للمشركين والكفـار في مشارق الأرض ومغاربها يكفرهم بذلك؟

هذا فيه تفصيل عند أهل العلم، وعليهم أن يناصحوهم ويوجهوهم إلى الخير ويعلموهم ما ينفعهم ويدعوهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله وإلى تحكيم الشريعة وعليهم المناصحة؛ لأن الخروج يسبب الفتن والبلاء وسفك الدماء بغير حق، ولكن على العلماء والأخيار أن يناصحوا ولاة الأمور ويوجهوهم إلى الخير ويدعوهم إلى تحكيم شريعة الله لعل الله يهديهم بأسباب ذلك، والحاكم بغير ما أنزل الله يختلف، فقد يحكم بغير ما أنزل الله ويعتقد أنه يجوز له ذلك، أو أنه أفضل من حكم الله، أو أنه مساوٍ لحكم الله، هذا كفر، وقد يحكم وهو يعرف أنه عاص ولكنه يحكم لأجل أسباب كثيرة؛ إما رشوة، وإلا لأن الجند الذي عنده يطيعونه أو لأسباب أخرى هذا ما يكفر بذلك مثل ما قال ابن عباس: كفر دون كفر وظلم دون ظلم. أما إذا استحل ذلك ورأى أنه يجوز الحكم بالقوانين وأنها أفضل من حكم الله أو مثل حكم الله أو أنها جائزة، يكون عمله هذا ردة عن الإسلام حتى لو كان ليس بحاكم، حتى لو هو من أحد أفراد الناس.
لو قلت إنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله فقد كفرت بذلك، ولو أنك ما أنت بحاكم، ولو أنك ما أنت الرئيس.
الخروج على الحكم محل نظر فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)) وهذا لا يكون إلا إذا وجدت أمة قوة تستطيع إزالة الحكم الباطل. أما خروج الأفراد والناس العامة الذين يفسدون ولا يصلحون فلا يجوز خروجهم، هذا يضرون به الناس ولا ينفعونهم.

المصدر من هنا

وجوب اتباع الدليل و نبذ التقليد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد:
هذا من كلام الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى رحمه الله تعالى فى كتابه صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم من التكبير الى التسليم كأنك تراها ص (( 41 ))

ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها لعل فيها عظة وذكرى لمن يقلدهم
بل يقلد من دونهم بدرجات تقليد اعمى(1)- ويتمسك بمذهبهم وأقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء والله عز وجل يقول : (( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِياء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) [سورة الأعراف : الآية 3 ]

1_ أبو حنيفة رحمه الله
فأولهم الإمام أبوحنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله وقد روى عنه اصحابه أقوال شتى وعبارات تؤدى إلى شيء واحد وهو : وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد اراء ألأ ئمة المخالفة له :

1 _(( إذا صح الحديث فهو مذهبى )) .

2_(( لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا مالم يعلم من أين أخذناه )) .
وفى رواية : (( حرام على من لم يعرف دليلى أن يفتى بكلامى )).
زاد فى رواية : (( فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا )).
وفى أخرى : (( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لاتكتب كل ما تسمع منى فإنى قد أرى الرأى اليوم وأتركه غدا وارى الرأى غدا وأتركه بعد غد )).

3_ (( إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولى )).

2_ مالك بن أنس رحمه الله
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :

1- (( إنما أنا بشر اخطى وأصيب فانظرو فى رأيى فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل مالم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه )) .

2- (( ليس أحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم إلا يؤحذ من قوله ويترك إلا النبى صلى الله عليه وسلم )).

3- (( قال ابن وهب : سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين فى الوضوء ؟ فقال : ليس ذلك على الناس . قال : فتركته حتى خف الناس فقلت له :عندنا فى ذلك سنة فقال : وماهى ؟ قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعارفى عن أبى عبد الرحمن الحبلى عن المستورد بن شداد القرشى قال : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره مابين أصابع رجليه )) . فقال : إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة . ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع .

المصدر من هنا

أهمية التمسك بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح !

فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني :  إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . [ آل عمران : 102 ] . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءًا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) . [ النساء : 1 ] . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) . [ الأحزاب : 70 - 71 ] . أما بعد :

فالواجب على كل مسلم : أن يعبد الله - تبارك وتعالى - على العلم النافع والعمل الصالح ، ولعلكم - جميعًا أو أكثركم - يعلم : أن العلم النافع لا يكون إلا إذا كان مستقىً ومستنبطًا من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم ما جاءنا عن السلف الصالح ؛ لأنهم هم القوم لا يشقى جليسهم .


وقد جاء الأمر باتباع الكتاب والسنة والسلف الصالح في غير ما حديث واحد ، لعلنا نقتصر على التذكير منها بحديث واحد ؛ ألا وهو حديث العرباض ابن سارية - رضي الله تعالى عنه - قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ! أوصنا ، قال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) .


في هذا الحديث - كما سمعتم - الأمر بشيء زائد عن الكتاب والسنة ، وذلك باتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعد النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ وما ذاك إلا لأن الخلفاء الراشدين تلقوا العلم والكتاب والسنة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة دون واسطةٍ ما ، وفهموا هذه السنة والقرآن الكريم كما علمهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولذلك فينبغي على كل طالب للعلم ألا ينسى هذا الأمر النبوي الكريم في اتباع الخلفاء الراشدين ، ويُلحق بهم من كان من أهل العلم من الصحابة الآخرين .


فإذا الأمر كذلك ؛ فعلينا أن تكون دعوتنا وأن يكون علمنا مستنبطًا من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، من أجل ذلك يقول ابن قيم الجوزية - رحمه الله - : ( العلم : قال الله ، قال رسوله ، قال الصحابة ليس بالتمويه . ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيهِ . كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذرًا من التعطيل والتشبيه ) .


هذا ما يتعلق بالعلم النافع الذي يجب أن يكون هدف كل طالب علم ، وليس أن يكون هدفه طلب العلم التقليدي القائم على التعصب المذهبي ، فهذا حنفيٌ ! وذاك مالكيٌ ! والثالث شافعيٌ ! والرابع حنبليٌ !


هؤلاء الأئمة - لا شك ولا ريب - أننا نجلهم ونقدرهم حق قدرهم ، ولذلك فنحن نتبع سبيلهم الذي انطلقوا وساروا عليه ، وما هو إلا سبيل السلف الصالح كما ذكرنا آنفًا ، ولكننا لا نتعصب لواحد منهم على الآخر ، هذا هو العلم النافع ، أي : المستقى من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح .


أما العمل ؛ فيجب أن يكون المسلم فيه مخلصًا لله - عز وجل - ، لا يبتغي من وراء ذلك جزاءًا ولا شُكورًا ، لا يبتغي من وراء ذلك أجرًا ولا ظهورًا ولا وظيفةً ، ولا ما شابه ذلك ، وإنما يعمل العمل الصالح لله -


تبارك وتعالى - ، كما قال - عز وجل - في القرآن الكريم : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) . [ الكهف : 110 ] .


قال علماء التفسير والفقه في هذه الجملة الأخيرة من الآية الكريمة : ( فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) ، قالوا : لا يكون العمل صالحًا إلا إذا كان موافقًا للسنة ، ولا يكون مقبولاً عند الله ولو كان موافقًا للسنة إلا إذا كان خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - .


والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدًا ، فحسبنا بين يدي هذه الأسئلة هذه الكلمة الوجيزة ، فهي تتلخص بأنه يجب على كل مسلم أن يحسن طلب العلم على ضوء الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، وأن لا يبتغي من أعماله الصالحة إلا وجه الله - تبارك وتعالى - ، هذا ما يسر الله - عز وجل - بناءً على هذا الطلب .

المصدر من هنا

نصيحة الشيخ العثيمين في الحث على طلب العلم

قال العلامة الفقيه الأصولي محمد ابن صالح العثيمين رحمه الله:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسلهُ الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد

فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى واعتصموا بالإسلام فهو العروة الوثقى وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون أيها المسلمون تفقهوا في دين الله فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)(1) تفقهوا في الدين عقيدة تفقهوا في الله أحكاماً تفقهوا في الدين أخلاقاً فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون اطلبوا العلم فإن العلم نور وهداية والجهل ظلمة وضلالة اطلبوا العلم فإنه مع الإيمان رفعة في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [ المجادلة : 11 ] اطلبوا العلم لتكونوا ورثة الأنبياء ونعم الموروث ونعم المورث فتكون أنتم نعم الوارث إذا أنتم طلبتم العلم لأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا دينارا فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم توفي لم يرثه أحد من ذوي الفروض ولا من العصبة لأن الأنبياء أشرف وأعظم من أن يورثوا شيئاً من لعاعة الدنيا وإنما ورثوا العلم قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: ( إنا معشر الأنبياء لا نورث )(2) ( وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر) (3)( يعني من ميراثهم ) أيها المسلمون ولا سيما الشباب منكم من ذكور وإناث اطلبوا العلم فإنه ذخر لكم في الحياة الدنيا وبعد الممات قال النبي صلوات الله وسلامه عليه : ( إذا مات الإنسان أنقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )(4) اطلبوا العلم يكن لكم لسان صدق في الآخرين فإن آثار العلم تبقى بعد فناء أهله فالعلماء الربانيون لم تزل آثارهم محمودة وطريقتهم مأثورا وسعيهم مشكورا وذكرهم مرفوعا إن ذكروا في المجالس امتلأت المجالس بالثناء عليهم والدعاء لهم وإن ذكرت الأعمال الصالحة والآداب العالية والأخلاق الفاضلة كانوا قدوة الناس فيها: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام : 122] أيها المسلمون اطلبوا العلم مبتغين به الأجر من الله لا لتنالوا عرض من الدنيا فإن من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض من الدنيا لم يجد عَرفْ الجنة يوم القيامة إي لم يجد ريح الجنة اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن أنفسكم فإن الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ولا علم إلا بالتعلم اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن عباد الله فتنشروا العلم بين الخلق فإن على أهل العلم حق فإن على أهل العلم حقاً يجب عليهم ألا وهو تبليغ العلم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( بلغوا عني ولو آية )(5) وقال:( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )(6) اطلبوا العلم لتحفظوا به شريعة الله فإن شريعة الله أيها المسلمون تحفظ بشيئين الكتابة في المستور والحفظ في الصدور وهو العلم وكذلك أيضاً تحفظ بالعمل فإن الناس إذا عملوا بشريعة الله استقرت الشريعة بينهم وورثها الأصاغر عن الأكابر اطلبوا العلم لتدافعوا به عن شريعة الله فإن أعداء الله يتربصون بكم الدوائر إنهم يريدون أن تبقوا جهلة لا تعرفون من دينكم شيئا ويريدون أن يَضِلَّ العالم فينحرف حتى يَصُدْ عن سبيل الله اطلبوا العلم لتدافعوا به عن الشريعة لأن الدفاع عن الشريعة إنما يكون برجال الشريعة أرأيتم لو أن رجلاً ضالاً مبتدعا أو ملحداً أو مخرفاً قام يدعو إلى ضلالته بين قوم لا علم عندهم فهل يستطيع أحداً منهم أن يبين ضلالته ويحمي الشريعة من عدوانه ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته وحوله من كتب الحق والهدى ما لا يحصى فإن هذه الكتب لن يقفز منها كتاب واحد ليبين ضلالته ويكبح عدوانه ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته في قوم بينهم عالم بالشريعة لقام هذا العالم مبيناً ضلاله داحضاً حجته مبطلاً لدعوته اطلبوا العلم لتدعو به إلى الله فإن الدعوة إلى الله لا تتم بدون العلم وكم من شخص نصب نفسه داعية إلى الله لكنه لا علم عنده فلا تكمل دعوته ولا تتم وربما تكلم عن جهل فأفسد أكثر مما يصلح قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف : 108] أيها الناس إن طلب العلم من أفضل الأعمال لما فيه من هذه المطالب العالية والمناقب الفاضلة ولا سيما في وقتنا هذا الذي كثر فيه طلب الدنيا والتكالب عليها كثر فيه القراء العارفون دون الفقهاء الربانيين إن ثمرة العلم هي العمل والدعوة إلى الله به فمن لم يعمل بعلمه كان علمه وبالاً عليه ومن لم يدعو الناس به كان علمه قاصراً عليه وكان آثماً لكونه لم يبلغ ما علمه الله عز وجل أيها المسلمون لا يخفى عليكم أن طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله بل إن طلب العلم هو الأصل إذا لا جهاد في سبيل الله إلا بعلم ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾ [ التوبة :122] إي ما كانوا ليفروا الجهاد في سبيل الله جميعا:﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ [ التوبة : 122 ] يعني وقعدت طائفة (ليتفقهوا) إي القاعدون في دين الله في الدين﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [ التوبة : 122] فجعل هؤلاء القاعدين للتفقه في دين الله معادلين للنافرين للجهاد في سبيل الله بل إن بعض أهل العلم فضل طلب العلم على الجهاد في سبيل الله لأن الأصل هو العلم أيها الأخوة وإذا ورثكم الله عز وجل علما وعملتم به فثقوا أن الله تعالى سيزيدكم علما كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [ محمد : 17 ] أما من ترك العمل بما علم فيوشك أن ينزع الله عنه العلم كما قال الله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة : 13] وقد قيل (العلم يهتف بالعمل إي يدعوه فإن أجاب وإلا أرتحل) وقيل (قيدوا العلم بالعمل كما تقيدونه بالكتابة) أيها الأخوة إن لنيل العلم طريقين أحدهما أن يتلقى طالب العلم ذلك من الكتب الموثوق بها والتي ألفها علماء مرضى ون بعلمهم وأمانتهم والثاني أن يتلقى ذلك من معلم موثوق به علماً وديانة وهذا الطريق أعني الطريق الثاني أسلم من الخطأ وأسرع في التحصيل وأثبت في العلم لأن الطريق الأول طريق التلقي من الكتب قد يضل فيه الطالب وهو لا يدري إما لسوء فهمه أو قصور علمه أو لغير ذلك ولأن الطريق الثانية تكون فيه المناقشة والأخذ والرد بين الطالب والعالم فينفتح للطالب بذلك إي بالمناقشة أبواب كبيرة في الفهم والتحقيق وكيفية الدفاع عن الأقوال الصحيحة ورد الأقوال الضعيفة وإذا جمع الطالب بين الطريقين التلقي من الكتب ومن المعلمين كان ذلك أكمل وأتم وليبدأ الطالب بالأهم فالأهم وبمختصرات العلوم قبل مطولاتها حتى يكون مترقياًً من درجة إلى ما فوقها فلا يصعد إلى درجة إلا وقد تمكن مما تحتها ليكون صعوده سليما ولئن سألتم ما حكم طلب العلم أهو فرض عين أم فرض كفاية أم سنة فالجواب طلب العلم في الأمور التي يحتاج الإنسان إليها في دينه فرض عين فيجب على من أراد أن يصلي أن يتعلم أحكام الصلاة ومن كان عنده مال أن يتعلم أحكام الزكاة ومن أراد أن يصوم أن يتعلم أحكام الصوم من أراد أن يحج أن يتعلم أحكام الحج لأن هذه عبادات متلقاة من الشرع فلابد أن يعلم كيف شرعها الشارع ليعبد الله على بصيرة هذا الطلب فرض عين على كل إنسان وأما طلب العلم عموماً فإنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الفرض عن الباقين ولكنه يبقى في حق الآخرين سنة فتبين بهذا أن طلب العلم إما فرض عين وإما فرض كفاية وإما سنة والقائم به قائم بفرض كفاية إذا لم يكن فرض عين عليه وما تقرب أحد إلى الله بشيء أحب إليه من ما أفترضه عليه أيها الأخوة المسلمون اطلبوا العلم اطلبوه طلباً راسخا حتى يستقر في نفوسكم وأعلموا أن الإنسان إذا حبس نفسه لطلب العلم فقد يكون ذلك شاقاً عليه في أول الأمر ولكنه يألفه ويحبه حتى يكاد يكون كالغريزة في نفسه فيألفه ولا ينفك عنه اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن ترزقنا علماً نافعا وعملاً صالحا ورزقاً طيبا واسعا اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا رب العالمين اللهم أجعل علمنا هادياً لك إلى صراطك المستقيم وأجعله نور في قلوبنا وفي قبورنا وفي محشرنا يا رب العالمين إنك جواد كريم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
المصدر من هنا.